عندما يقرأ أي شخص منا القرآن يخيل إليه بدون شعور أن أحداثه تدور في محيط صحراوي مماثل لمناخ جنوب الحجاز و ذلك راجع للفكرة المسبقة التي نشأت معه كجزء من العقيدة نفسها فيقوم بإسقاط هذا التصور على جل الأحداث و المشاهد المذكورة في النصوص فتغيب عنه أبسط الدلائل التي تؤكد بعد هذا التصور التام عن حقيقة الوصف القرآني
لكن ماذا لو وضعنا القرآن بين أيدي شخص محايد لا يعلم شيئا لا عن الإسلام و لا عن بيئة من أنزل عليهم القرآن ؟ فحتما سيصل إلى حقيقة مغايرة تماما و سينسب جغرافيا القرآن لبيئة أكثر إعتدالا و قربا من مناخ شمال إفريقيا أو الشام و ليس للصحراء التي لم يأتي ذكرها و لو لمرة واحدة في القرآن !
و لأن القرآن نزل على سكان منطقة جغرافية معينة فمن الطبيعي أن يستشهد لهم بالثمار و الحيوانات المعروفة لديهم و التي يسخرونها لحاجياتهم اليومية لا أن يستشهد بطبيعة مكان أخر لا يعلمه إلا
قلة منهم من خلال أسفارهم فلو وضعنا هذا القرآن بين يدي شخص لا يعلم شيئا عن الإسلام وقلنا له أن هذا الكتاب خرج من قلب الصحراء سيضحك من التعجب لذكره لحيوانات كالأسد الذي ضرب به القرآن و بهروب الحمير منه مثلا للذين كفروا
فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ
(51) سورة المدثر
وصف لظاهرة مألوفة في مجتمع الرسول و معلومة لدى عمومهم و إلا لقالوا عند نزول هذا النص عن ماذا يتحدث قرآنك يا محمد ؟
نفس الشيء بالنسبة للفيل و قصة أبرهة الشهيرة على إفتراض أن المقصود بالفيل في لغة القرآن هو حيوان الفيل فمن المستحيل بالنسبة لحيوان يبتلع يوميا حوالي 150 كيلوغرام من الأعشاب و يشرب 40 لتر أن يقطع مئات الكيلومترات في الصحراء الحارة و الذي بتأكيد سيضاعف حاجيته الغذائية المعتادة خصوصا من الماء
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) سورة الفيل
فبإستثناء الإبل كل الحيوانات المذكورة في القرآن تعيش في مناطق ذات بيئة معتدلة
و حتى الخنزير لا يتواجد في المناطق الصحراوية فكيف يحرم عليهم حيوان لا يأكلونه أصلا و لا يعيش بينهم ؟
من المشاكل التي تعترض من قاموا بتصحير مكان البعثة المحمدية كثرة ذكر الثمار و الفواكه و الزرع في مختلف النصوص
يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) سورة النحل
وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) سورة النحل
ما هذا عنب زيتون جنات حدائق عيون هل نحن في صحراء أم في جنة ! و سنجد تأكيد و تكرار لنفس هذه الفواكه من دون غيرها مما يوضح أنها بالفعل ثمار منطقة المخاطبين في القرآن هذا بالإضافة للعلاقة الواضحة بينهم بين البحر و صيده و لباسه في العديد من النصوص و إستعمالهم الدائم للسفن
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) سورة يونس
وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) سورة النحل
كما يشير القرآن بشكل صريح لوجود بحرين في المنطقة
وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) سورة فاطر
فعند إعادة قراءة نصوص القرآن بعيون الحياد سيتبين لنا حجم الإستخفاف الكبير بعقول الناس و أن الموقع الذي نسبوا إليه أحداث القرآن يخالف في كل شيء جغرافيا القرآن الحقيقية التي لم تعد تخفى على الباحثين المتخصصين في المجال
و التي تبقى من أهم المفاتيح لإعادة قراءة تاريخ الإسلام الحقيقي الذي سيساهم في نفس الوقت في إعادة قراءة و تصحيح سيرة الرسول محمد و تبرئته من كل الفواحش و الجرائم التي نسبت إليه في تراث المذاهب
فحان الوقت لفضح هذه المؤامرة و الجريمة الكبرى في حق التاريخ و الدين الإسلامي رغم أن هذه الحقيقة ستكون صادمة للعديد و غير مقبولة بالمرة لكن هذا هو ثمن الدعوة إلى الحق الذي دعانا إليه الرحمن
لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) سورة الزخرف